هدم مقر حزب مبارك لكن القمع يتزايد في مصر
Read this story in Englishعلى بعد امتار من ميدان التحرير، بؤرة الثورة التي اسقطت الرئيس الاسبق حسني مبارك، يعتلي بلدوزر اصفر اللون الركام المتساقط من المقر الرئيسي المحترق لحزبه المطل على نيل القاهرة والذي كان رمزا للفساد والقمع والظلم الاجتماعي.
لكن بعد اكثر من اربع سنوات على ثورة كانون الثاني 2011 التي طالبت ب "الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية"، يقول نشطاء وحقوقيون ان الرئيس عبد الفتاح السيسي يشيد نظاما اكثر قمعا وتسلطا.
وكان مقر الحزب الوطني الديموقراطي تعرض للحرق والتخريب اثناء ثورة 2011 على يد متظاهرين غاضبين احتلوا ميدان التحرير لمدة 18 يوما ولم يغادروه الا بعد تخلي مبارك عن السلطة.
لكن نظام السيسي، قائد الجيش السابق الذي اطاح بالرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي، ارتكب "انتهاكات سافرة لحقوق الانسان" بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير اصدرته مطلع حزيران الجاري بمناسبة مرور عام على انتخابه رئيسا للجمهورية بتأييد اغلبية كاسحة من المصريين يعتبرونه الرجل القادر على اعادة الاستقرار بعد اكثر من ثلاث سنوات من الانفلات الامني.
ويقول احمد عبد ربه مدرس النظم السياسية في جامعة القاهرة ان اي مقارنة بين نظامي مبارك والسيسي ستكون "مجاملة" للاخير.
ويضيف لفرانس برس "مبارك رغم كل مساوئه كان يتفاوض. اما النظام الحالي فيمنع كل انواع الحراك. يضيق الخناق علي المعارضين ويعظم دور الجيش والاجهزة الأمنية ويسيس العدالة بشكل أسوأ وافظع من مبارك".
ومنذ الاطاحة بمرسي، شنت الاجهزة الامنية حملة قمع دامية ضد الاسلاميين ادت الى مقتل اكثر من 1400 شخص وتوقيف اكثر من 40 الف اخرين وفق هيومن رايتس ووتش، وامتدت الملاحقات بعد ذلك لتشمل النشطاء العلمانيين واليساريين.
وخلال السنوات الاربع الاخيرة، اُسقطت تهم قتل المتظاهرين من على كاهل كبار رجال الشرطة في عهد مبارك، كما برأ القضاء كافة رجال الاعمال والوزراء المتهمين في قضايا فساد فخرجوا من السجون ليباشروا اعمالهم التجارية من جديد.
اما مبارك (87 عاما) نفسه فطليق لكنه يواجه جولة اخيرة من المحاكمة امام محكمة النقض في قضية قتل متظاهرين.
وكان رئيس الوزراء الحالي ابراهيم محلب الذي اصدر قرار هدم مقر "الحزب الوطني الديموقراطي" في نيسان الفائت احد كوادر حزب مبارك الحاكم.
ويعتقد عبد ربه ان قرار السلطة بهدم مقر الحزب ربما محاولة "لمحو تاريخ حرق هيبة الدولة التي كانت ممثلة حينها فى الحزب الوطني".
ووسط مجموعة من السيارات المحترقة المبعثرة بعشوائية في باحة المبني، لا تزال لافتة دعائية ضخمة للحزب يغطيها الغبار كتب عليها "عطاء شبابنا خير وبركة لبلدنا"، لكن كثيرا من الشباب باتوا يشعرون بأن حلمهم بالتغيير تبدد.
وبالنسبة للموظف الحكومي هاني شتايا (42 عاما) الذي شارك في ثورة 2011 وكان بميدان التحرير حين اُحرق مقر الحزب فان "شيئا لم يتغير".
وقال باحباط بينما كان يعبر جسرا قرب مقر الحزب "قمنا بثورة من اجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. لكن كل شيء انقلب الى الاسوأ للاسف".
غير ان السيسي ينفي هذه الاتهامات. وصرح مرارا ان مصر "لا يمكن ان تعود الى الوراء" وانها "ماضية في طريقها نحو تاسيس دولة ديموقراطية حديثة قائمة على العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد".
وتم حل الحزب الوطني رسميا بقرار من القضاء في 2011 لكن القضاء الغي في تموز/يوليو 2014 قرارا بمنع كوادره من الترشح للانتخابات التشريعية.
وبشكل متعاقب، حظرت السلطات حركة 6 ابريل التي اطلقت الدعوة لثورة 2011، وروابط مشجعي كرة القدم ،"الالتراس"، التي شاركت في الثورة وغالبا ما عبرت عن موقفها السياسي المناهض للسلطة.
وحظرت كذلك جماعة الاخوان المسلمين التي فازت بكافة الاستحقاقات الانتخابية بعد عزل مبارك وصنفتها الحكومة "تنظيما ارهابيا" ومنعت كوادرها من الترشح لاي انتخابات.
وبؤكد عمرو علي المنسق العام لحركة 6 ابريل ان "مصر الان بلا حياة سياسية ولو حتى مجرد ديكور كما كانت الحال ابان عهد مبارك".
ويضيف علي الذي تحدث عن اختفاء قسري لعدد من نشطاء حركته اخيرا لفرانس برس "لا توجد احزاب سياسية معارضة ولا يوجد برلمان والحركات الشبابية يتم حظرها الواحدة بعد الاخرى".
وكانت تجاوزات الشرطة التي بلغت حدودا غير مسبوقة في السنوات الخمس الاخيرة من حكم مبارك، احد الاسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 2011.
ويعتقد البعض ان الشرطة عادت اليوم الى سابق عهدها.
وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان غير الحكومية ان مصر تمر ب"اسوأ حالة قمع واسوأ حالة لحقوق الانسان منذ عقود".
وفي مكتب عيد ملصق متوسط الحجم كتب عليه بالاسود "اخرجوهم من السجون" بجوار صور لابرز نشطاء الثورة العلمانيين علاء عبد الفتاح وماهينور المصري واحمد ماهر ومحمد عادل وكلهم محبوسين حاليا باحكام مختلفة.
واضاف عيد الذي سجن اربع مرات خلال عهد مبارك "لا اختلاف كبيرا بين السيسي ومبارك. رجال الاعمال عادوا من جديد والاعلام يهلل له في كل مكان والدولة البوليسية في اشدها".
وبصوت خافت يقول الموظف شتايا "كل يوم امر امام مقر الحزب فأراه يهدم وكل يوم ارى ايضا نظام اسوأ يبنى".