حادثة الرافعة في مكة تلقي الضوء على التطوير العمراني السريع للمدينة المقدسة
Read this story in Englishتلقي حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي الضوء على النمو العمراني السريع الذي تشهده المدينة المقدسة، وهو نمو ضروري من جهة لانه يسمح باستيعاب الزيادة المستمرة في عدد الحجيج والمعتمرين، لكنه يثير من جهة اخرى جدلا اذ يفقد المدينة بعضا من طابعها الروحاني.
وقتل اكثر من مئة شخص الجمعة عندما سقطت رافعة عملاقة داخل الحرم خلال عاصفة رعدية.
وبعد يومين على الحادث سلم امير منطقة مكة خالد الفيصل تقريرا تضمن "نتائج التحقيق" الذي امر به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الى وزير الداخلية الامير محمد بن نايف.
ولم تشر وكالة الانباء السعودية الرسمية الى مضمون التقرير، الا ان شهودا اكدوا ان سبب سقوط الرافعة هو الرياح القوية التي ضربت المنطقة ساعة وقوع الحادث.
والرافعة هي واحدة من عشرات الرافعات الضخمة التي تنتشر في منطقة الحرم حيث تستمر اعمال توسعة عملاقة، وذلك فيما تستعد الاراضي المقدسة لاستضافة موسم الحج هذا الشهر.
وكان تنفيذ مشروع التوسعة الحالي بدأ قبل سنوات، وقد رصدت له مليارات الدولارات.
وفيما يرحب الجميع بمشاريع توسعة الحرم التي تهدف الى استيعاب الزيادة المستمرة في عدد الحجيج والمعتمرين في الوقت الذي بلغ فيه عدد المسلمين في العالم حوالى 1,5 مليار نسمة، تثير المشاريع العمرانية المحيطة بالحرم الجدل، سيما انها حولت المدينة المقدسة الى مدينة تملؤها الابراج الشاهقة.
وتنتشر حول الحرم الابراج والمجمعات التجارية والفندقية، وابرز هذه الابراج هو مجمع ابراج البيت وخصوصا برج مكة الملكي المعروف ببرج الساعة، وهو ثالث اطول برج في العالم اذ يبلغ ارتفاعه 601 متر.
ويهيمن البرج على الافق في مكة، وتعلوه ساعة عملاقة واسم الجلالة، فضلا عن مسلة ضخمة يعلوها مجسم للهلال.
ويوازي حجم الساعة اربعة اضعاف حجم ساعة بيغ بن الشهيرة في لندن.
وتضاء الساعة وتنطلق منها اشعة الليزر عند مواعيد الآذان.
ويتضمن فندق فيرمونت في البرج 56 مصعدا، ويتم الترويج له على انه يتضمن اطلالة مباشرة لا مثيل لها على البقاع المقدسة، لاسيما على الكعبة.
ويرى كثيرون ان هذا النوع من المشاريع يفقد المدينة طابعها الروحاني ويبعدها عن جذورها الثقافية والتاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية.
وفي نفس الوقت، نفذت السلطات مشاريع بنية تحتية عملاقة مثل مترو المشاعر المقدسة، وجسر الجمرات المتعدد الطبقات في منى المجاورة، وهو سمح بحماية الحجيج من حوادث التدافع المميتة التي شهدتها مواسم الحج مرارا وتكرارا في السابق.
وبين توسعة الحرم والتطوير العقاري ومشاريع البنية التحتية، غيرت مكة وجهها بالكامل في غضون سنوات.
وقال عرفان العلوي المؤسس المشارك في مؤسسة ابحاث التراث الاسلامي ان "مكة ليست مدينة مثل سائر المدن".
واعرب العلوي عن تخوفه من ان تكون المدينة قد "تحولت الى ما يشبه مانهاتن" في نيويورك.
والعلوي من ابرز المنتقدين لمشاريع التنمية العقارية في مكة، وهو يعتقد بان التطوير العمراني يمحو الصلة الملموسة بين المكان وسيرة النبي محمد.
وقال العلوي "الناس يزورون المسجد الحرام للعبادة والصلاة وللشعور بروحانية الوجود في بيت الله، لكن المكان بات اشبه بمنتجع سياحي" مشيرا بشكل خاص الى انتشار الفنادق واحواض السباحة.
واضاف "ان المكان يفقد روحانيته ... لن تجد هذا النوع من الترفيه في اي مكان قريب من الفاتيكان مثلا".
الا ان صخر الحارثي عضو غرفة مكة للتجارة دافع عن برج الساعة، وقال انه "معلم ليس لمكة وحسب، بل للمملكة ككل".
من جهته، قال فيصل السالمي، وهو استاذ مدرسي، ان التطوير العمراني غير المسبوق الذي تشهده المدينة قد جلب الكثير من الوظائف وفرص الاستثمار.
وتظهر صور قديمة تعود لخمسين سنة، الحرم محاطا بالاحياء القديمة. وكان حجم المسجد الحرام نفسه اصغر بكثير.
وتمت تسوية الاحياء القديمة المحيطة بالحرم من اجل تنفيذ مشاريع التوسعة.
وقبل اربع سنوات، اطلق الملك الراحل عبدالله مشروع توسعة للحرم تصل مساحتها الى 400 الف متر مربع.
وهذه التوسعة تساوي مساحة 50 ملعب كرة قدم، وتزيد الطاقة الاستيعابية للحرم بمقدار مليوني شخص اضافيين.