طبيب أميركي وحيد يعتني بآلاف المرضى في جبال النوبة في السودان

W460

خلال سنواته الطويلة من العمل كجراح يعيش في جبال النوبة جنوب كردفان، عالج الاميركي توم كاتينا آلاف المرضى الذي لا يتذكرهم جميعا، لكن بعض الحالات ظلت عالقة في ذاكرته.

وبصفته مديرا طبيا وطبيبا وجراحا في مستشفى ام الرحمة الكاثوليكي، عالج كاتينا عددا لا يحصى من الجرحى في النزاع الذي بدأ في 2011  في هذه المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون وتقع في ولاية جنوب كردفان على الحدود مع دولة جنوب السودان.

وبصوت ينم عن ارهاق بعد يوم عمل طويل، قال هذا الطبيب الاميركي لوكالة "فرانس برس" في اتصال عبر سكايب "انها ليست حالة حرب بل عملية سحق حقيقي من خلال القصف الذي يتم".

وانتشر وباء الحصبة العام الماضي في الاقليم حيث عالج مستشفاه 1400 مصابا توفي منهم ثلاثون، كما اكد كاتينا. وقال "قد تأتي صباح يوم احد وتجد الطفل يموت من الحصبة ويتنفس بصعوبة بينما امه تبكي وتصرخ"، مؤكدا ان هذا الامر "يسبب احباطا ويدفع الى الاستسلام".

لكن الطبيب الذي انتقل الى جبال النوبة بدافع الايمان، انه سيواصل مهمته الى ان يحل محله طبيب من المنطقة.

ويقوم هذا الجراح الاميركي البالغ من العمر 51 عاما ويظهر في صوره حليق الرأس بكل العمليات الجراحية الكبرى والتوليد ويفحص باستمرار مرضى 345 سريرا في المستشفى الذي يقدم خدمات ايضا الى 750 الف شخص يعيشون في المنطقة . 

وغير المستشفى الذي يديره ساتنا هناك مستشفى صغير تديره منظمة طوعية المانية ويعمل فيه عدد من المعتربين وفريق محلي .

وليس هناك في المنطقة سوى مستشفى صغير آخر تديره منظمة المانية غير حكومية ويضم طاقمه اجانب وموظفين محليين.

وكاتينا المولود في حي امستردام تاون في نيويورك مهتم بالعمل التبشيري لكنه يفضل الممارسة العملية على التبشير. وقد درس الطب في معهد اميركي للدراسات العليا  بمنحة من البحرية الاميركية. وبعد انتهاء دراسته توجه في مهمة الى كينيا حيث امضى سنتين.

وفي 2007، وافق على العمل مع منظمة ام الرحمة التي اسسها مكرم قسيس اسقف مدينة الابيض عاصمة ولاية شمال كردفان السودانية باموال من مجموعات كنسية ورجال الاعمال ما زالوا يمولونها.

وتهدف هذه المنظمة الى معالجة جميع سكان منطقة جبال النوبة المتخلفة مجانا وبغض النظر عن دياناتهم.

وكانت اول انطباعات كاتينا عند وصوله في 2008 في اجواء الحر الشديد ان "الناس في حالة صدمة شديدة بعد سنوات من الاهمال والرحب الاهلية".

وكانت منطقة جبال النوبة بتنوعها الديني واللغوي شهدت معاناة كبيرة خلال الحرب الاهلية بين حكومة الخرطوم التي يسيطر عليها العرب ومتمردي جنوب السودان 1983 الي 2005.

وفي 2011 بدأت حرب اهلية جديدة بتمرد الجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال على حكومة الخرطوم، احتجاجا على تهميش المنطقة سياسيا واقتصاديا.

وبين ليلة وضحاها، تدفق على مستشفى كاتينا جرحى من مدنيين وعسكريين ومتمردين بينما كان زملاء الطبيب الاجانب غادروا هذا المركز الطبي.

وحل محل هؤلاء عاملون من النوبة تعلموا خلال العمل التمريض ومعالجة حالات الصدمة ليشكلوا بذلك نواة جديدة للمستشفى.

وواجه المستشفى مرات عدة قصفا جويا من قبل قوات حكومة الخرطوم يجبر العاملين والمرضى على الاختباء في خنادق قريبة عند سماعهم هدير الطائرة.

وقال كاتينا "انه اكثر شيء مخيف سمعته".

وتنفي الخرطوم قصف مواقع مدنية. لكن في كانون الثاني الماضي سحب الفرع البلجيكي لمنظمة اطباء بلاء حدود فريقه من جبال النوبة بعد قصف المستشفى الذي يعمل فيه الفرع في المنطقة.

وفي موسم الامطار الذي يمتد من حزيران الى تشرين الثاني ويصبح من المستحيل استخدام طرق الاقليم، يتوقف القتال ومعه يتوقف تدفق الجرحى من مدنيين وعسكريين.

لكن كاتينا يبقى لديه الكثير من العمل. وقال "لا نتوقع عن العمل في هذه الفترة لانها موسم الملاريا".

وبدأ الطبيب الاميركي ايضا تحاليل للكشف عن الاصابات بالايدز في قرى جبال النوبة حيث سجل ارتفاع طفيف في عددها منذ 2008. وشخص مستشفاه هذه السنة ما بين 25 الى 30 اصابة.

ويبدو كاتينا مصمما على منع انتشار هذا الفيروس في جبال النوبة بعدما لاحظ انعكاسات الايدز في كينيا. وقد ساعد في هذا الاطار في اطلاق حملة توعية وفحص.

ويمضي الطبيب ساعات الفراغ القليلة التي تتاح له في القراءة وانتهى مؤخرا من رواية الاخوة كرامازوف لدوستويفسكي، الى جانب وضع خطط لمستقبل المستشفى.

وقال في هذا الشأن ان "الهدف بالنسبة لنا جميعا هو نقل الادارة باكملها الى اهل النوبة".

ويمول المستشفى دراسة الطب لطالبين من النوبة في اوغندا وكينيا. لكن كاتينا يؤكد انه ما زال من المبكر الحديث عن رحيله. وقال "نبذل جهودا كبيرة لتدريب الناس لكننا نحتاج الى خمس سنوات على الاقل".

التعليقات 0