سكان ريف منبج في شمال سوريا يتنفسون الصعداء بعد طرد الجهاديين من قراهم

Read this story in English W460

للمرة الاولى منذ نحو عامين، تزغرد عوش العبود فرحا وهي تقف امام منزلها في ريف منبج في شمال سوريا، بعدما كان الخوف يعتريها طيلة اكثر من عامين ونصف تحت حكم تنظيم الدولة الاسلامية الصارم.

وتقول السيدة الستينية بعد طرد تنظيم الدولة الاسلامية من قريتها الخردة ومناطق اخرى في ريف منبج شمال شرق حلب، "اليوم كتبت لنا حياة جديدة وفرحتنا كبيرة"، مضيفة فيما احفادها يحيطون بها "خلال عامين ونصف، كنت اعتبر نفسي في عداد الاموات".

وعوش واحدة من مئات المدنيين الذين عادوا في الايام الاخيرة الى قراهم بعدما غادروها لايام، بعد الهجوم الذي شنته قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركية في 31 ايار لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من المنطقة. وتمكنت خلاله من السيطرة على نحو 60 قرية ومزرعة في ريف منبج.

وجال مراسل لوكالة فرانس برس على عدد من القرى الصغيرة الواقعة في منطقة ريفية زراعية بعد طرد الجهاديين منها. وكان مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية يتجولون بين المنازل الصغيرة المتواضعة التي تضرر بعضها جراء غارات التحالف وبعضها الاخر جراء السيارات المفخخة التي فجرها التنظيم.

وشاهد اطفالا يركضون في ازقة ترابية وهم يرفعون شارات النصر، وفتيات صغيرات في باحات المنازل حيث كان يتجمع قاطنوها.

وتروي عوش التي ترتدي عباءة كحلية اللون وتغطي راسها بمنديل، ما تعرض له السكان خلال وجود التنظيم المتطرف الذي سيطر على المنطقة مطلع العام 2014. وتقول بلكنة ريفية "قتلوا الكثيرين ظلما وفرضوا علينا البرقع وعاقبوا شابا بالجلد لانه كان مع اخته ولم تكن ترتدي اللباس الشرعي، وفرضوا عليه ما يسمونه دورة شرعية لعشرة أيام".

- "يخيطون فمه" - ويتحكم التنظيم المتطرف في مناطق سيطرته بمفاصل الحياة كافة، ويغذي الشعور بالرعب بين الناس من خلال الاعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقها على كل من يخالف احكامه او يعارضه.

ويقول المهندس خلف الموسى من قرية قنا التحتاني شرق مدينة منبج لفرانس برس "كانوا يمنعوننا من العمل في أرضنا إلا بعد ارتداء اللباس الأسود، ولم يكن مسموحا لنا رفع بنطالنا خلال العمل تحت طائلة دفع غرامة ألف ليرة سورية عن كل طية".

ويسرد كيف كان عناصر التنظيم "يغرّمون كل من لم يحلق ذقنه باربعة غرامات من الذهب. اما من ينتقد ممارساتهم، فكانوا يخيطون فمه لفترة زمنية أو يقطعون رأسه ويعلقونه".

ولعل اكثر ما كان يخيف المدنيين في مناطق سيطرة الجهاديين هو اعتقالهم لسبب ما، على ما يوضح الموسى "إن اعتقلك الأمنيون في التنظيم، فعليك السلام. اذ لا يستطيع احد حينها السؤال عنك مطلقاً".

ودفع هذا الخوف سكان القرية وحتى افراد العائلة الواحدة الى فقدان ثقتهم ببعضهم البعض، اذ كانوا يخشون ان يشي احدهم بالاخر. ويوضح موسى "اذا اردت ان تحكي كلمة عليك ان تحسب الف حساب. لم تعد تثق باخيك او ابيك او جارك نتيجة الخوف لان الكلمة نتيجتها قطع الراس".

وعادة يضع تنظيم الدولة الاسلامية في مناطق سيطرته يده على المؤسسات والادارات ويقدم نفسه بديلا عن الدولة في توفير الخدمات وتسيير شؤون الناس، الا ان الوضع لم يكن كذلك في قرية موسى.

ويقول موسى "كنا نطالبهم بتأمين الكهرباء، فكانوا يجيبوننا هل كان لدى الرسول محمد الكهرباء؟ وكنت أقول في قرارة نفسي وهل كان لدى الرسول كل هذا السلاح لترهيب الناس؟".

ويضيف "الحال ذاته اذا طلبنا مثلا تأمين السكر للشاي، وكان جوابهم: لا نتعامل مع منتجات أجنبية".

- "الامان هو الاهم" -وفي بلدة أبو قلقل التي لحقها الدمار جراء الاشتباكات، يوضح ابو محمد والى جانبه زوجته واربعة اطفال ان "الوضع اليوم جيد" قبل ان تقاطعه زوجته "الامان هو الاهم". ويتحدث الزوج بمرارة عن التنظيم الذي كان يعمد الى رفع الاسعار وتجويع الناس بهدف اجبارهم على الانضمام الى صفوفه.

ويقول "عانينا من غلاء معيشة كبير نتيجة سيطرة داعش على المنطقة، وكنا نشتري عشرة أرغفة خبز مقابل 350 ليرة سورية (اقل من دولار) لكننا اليوم عدنا نشتري 24 رغيفا مقابل مئة ليرة سورية".

ويضيف "كانوا يقولون لنا من يريد أن يعيش بعز، عليه أن يلتحق بصفوفنا، لكنني رفضت وفضلت الجوع على الالتحاق بهم وظلم أبناء جلدتي".

وحول تنظيم الدولة الاسلامية المدارس الى مقار او سجون له، كما منع تدريس التلاميذ وفق المنهج الرسمي المعتمد في سوريا وفرض على الطلاب الخضوع لدورات تعليم ديني والغى العديد من المواد الدراسية.

ويوضح الشاب رضا الصيّاد (18 عاما) وهو من قرية تل عرّش كيف احرق عناصر التنظيم "الكتب المدرسية ومنعونا من الدراسة، وبدأوا يفرضون علينا دروسا دينية.. ويعلموننا ان الأكراد والعلماء والاساتذة كلهم كفرة".

ويضيف "امل ان نعود الى مدرستنا وان يصبح الوضع افضل.. بعدما غادروا منطقتنا وتحسن وضعنا".

وتتابع قوات سوريا الديموقراطية هجومها في ريف حلب الشمالي الشرقي وتخوض اشتباكات عنيفة ضد تنظيم الدولة الاسلامية بهدف طرده من مدينة منبج التي تحظى باهمية استراتيجية للجهاديين كونها تقع على طريق امداد يربط معقلهم في محافظة الرقة بالحدود التركية.

التعليقات 0