بعد نصف قرن على حرب 1967 مصر لم تستعد دورها القيادي في العالم العربي

Read this story in English W460

تركت حرب حزيران 1967 صدمة كبيرة في مصر لا تزال تداعياتها راسخة في أذهان المصريين، نتيجة الخسائر البشرية الكبيرة والدمار والهزيمة العسكرية، فيما لم تنجح البلاد حتى اليوم في استعادة دورها القيادي في العالم العربي.

وما زالت ذاكرة أجيال من المصريين تختزن مشاهد انهيار الجيش المصري خلال هذه الحرب التي لم تستغرق سوى ايام قليلة وانتهت باحتلال اسرائيل لسيناء والضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية.

وكانت الهزيمة مريرة ومهينة الى حد دفع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، صاحب الكاريزما والشعبية الطاغية في العالم العربي آنذاك، الى إعلان "تنحيه" عن السلطة مساء التاسع من حزيران. غير ان تظاهرات كبيرة انطلقت لمطالبته بالبقاء، فتراجع عن قراره في اليوم التالي.

وتمكنت مصر من استعادة سيناء بعد بسنوات إثر حربين خاضتهما مع اسرائيل -حرب الاستنزاف بين عامي 1968 و1970 ثم حرب تشرين الاول 1973- بعد ان أبرمت أول معاهدة سلام بين دولة عربية واسرائيل في العام 1979.

ولكن ثمن هذه المعاهدة التي اعتبرها العرب آنذاك "حلا منفردا" مع اسرائيل كان قطيعة عربية. ونقل مقر الجامعة العربية من مصر في العام 1979 الى تونس حيث ظل حتى العام 1990 قبل ان يعود مجددا الى مكانه الاصلي بميدان التحرير في وسط القاهرة.

- ضربة قاسية -غير ان هزيمة يونيو كانت ضربة قاسية لمشروع القومية العربية الذي تبناه عبد الناصر وأدت الى تحول جوهري في سياسات مصر والمنطقة تجاه القضية الفلسطينية، بحسب خبراء.

ويقول استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الفرنسية في مصر توفيق اكليمندوس "تراجع الدور المصري كثيرا بعد حرب 1967 ووجهت ضربة قوية للغاية الى مشروع القومية العربية".

ويتابع "ثم جاء ارتفاع أسعار النفط في السبعينات وما ولده من ثروات في دول الخليج ليكون ربما العامل الاهم في فقدان مصر لدورها القيادي".

ويعتقد اكليمندوس ان "عبد الناصر كان قائدا للشارع العربي وليس قائدا للانظمة العربية".

ويشاركه أستاذ التاريخ في جامعة حلوان المصرية شريف يونس الرأي قائلا "الشعوب كانت مع عبد الناصر وكان بالنسبة لها رمزا وبطلا في وقت كانت تبحث عن هويتها في لحظة التحرر من الاستعمار".

ويستطرد "لكن بعد حرب 1967، لم يعد قادرا - وبالتالي لم تعد مصر قادرة - على القيادة، بل كانت بحاجة الى من يساعدها على إعادة بناء جيشها".

ويشير يونس الى ان حرب 1967 "كانت نقطة تحول في سياسات عبد الناصر، إذ بدلا من القيادة بالمثل العليا بدأ يضع اهدافا واقعية وهبط بسقف التوقعات، فلم يعد يطالب بتحرير فلسطين بل رفع شعار +إزالة آثار العدوان+"، اي تحرير الاراضي التي احتلت عام 1967.

ويعتقد الخبراء ان هزيمة حزيران وسقوط مشروع القومية العربية فتحا الباب كذلك امام صعود الحركات الاسلامية في العالم العربي.

ويقول استاذ التاريخ الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط هنري لورنز "كانت حرب 1967 بالتأكيد عاملا ساهم، ضمن عوامل اخرى عديدة، في صعود التيار الاسلامي في العالم العربي، لأن الانظمة الثورية العربية اعتبرت مسؤولة عن الهزيمة الكبرى".

ويشاطره الرأي إكليمندوس الذي يرى ان "سقوط الناصرية بوفاة مؤسسها في العام 1970 سهل كثيرا صعود الاسلاميين بعد ذلك، لان الساحة أصبحت خالية أمامهم".

ويقول عدد من المؤرخين ان حرب 1967 كشفت المشاكل الداخلية لنظام عبد الناصر التي كانت برأيهم السبب الرئيسي في الهزيمة.

- "توازنات وتحالفات" اقليمية -ويقول أستاذ التاريح بجامعة هارفارد خالد فهمي في مجموعة مقالات نشرها اخيرا على موقعه على الانترنت "ان الحكومة الخفية في مصر، لا في الولايات المتحدة، هي التي كانت السبب الرئيسي في هزيمة 1967. هذه الحكومة الخفية التي كان يديرها المشير عبد الحكيم عامر (قائد الجيش ابان الحرب) ادت الى وضع كارثي، وضع اصبحت فيه البلد برئاستين او اكثر".

ويتابع "كما قال عبد الناصر نفسه في أعقاب الهزيمة، أدى تدخل المؤسسة العسكرية في إدارة البلاد الى +تفكك الدولة+ وهذا التفكك أدى الى الهزيمة".

ويروي بمرارة كيف "كان جمال عبد الناصر يتشدّق بجيشه وكان صديق عمره ورفيق سلاحه وقائد جيشه عبد الحكيم عامر يقول إنه أكبر جيش في الشرق الاوسط" قبيل الحرب. "وما هي إلا أيام قلائل حتى انفرط عقد هذا الجيش تماما وسقط من رجاله 10 آلاف شهيد، اي عشر القوة المقاتلة" في ذلك الحين.

ويضيف "بحلول مساء يوم 6 حزيران، بدأت قوات الجيش في الانسحاب غربا باتجاه القناة في مشهد مأساوي يصعب على المرء وصفه او تخيله. وعلى مدار يومي 7 و8 حزيران، كان آلاف الجنود يهرولون غربا تنفيذا لتعليمات الانسحاب (من سيناء)".

ويشير الى ان الانسحاب "لم يتم بناء على أي خطة او تنظيم، فأمسى الجيش فلولا تتسابق للوصول لبرّ الامان".

ومع مرور نصف قرن على هزيمة حزيران وتواري الفكرة القومية،  تغيرت الامور ولم تعد مسألة الدولة ذات الدور المحوري، مطروحة.

ويقول شريف يونس ان "مسألة الدور القيادي انتهت، النظام العربي بات قائما على لعبة التوازنات والتحالفات بين دوله بمختلف اوزانها".

التعليقات 0