لعنة النزوح تلاحق السوريين الهاربين الى إدلب
Read this story in Englishمنذ نحو ست سنوات، يعاني أبو خالد وعائلته من ويلات الحرب المستعرة في سوريا مرغمين على الترحال الدائم، ومع اندلاع المعارك الأخيرة في محافظة ادلب، لم تجد هذه الأسرة الا مخيماً موحلاً يؤويها قرب سرمدا، داخل المحافظة.
ويقول الرجل ذو السبعين عاماً لوكالة فرانس برس "كلما بنينا خيمة، لا تمر سنة إلا وتأتينا البراميل والقصف، فنتوجه إلى مكان ثان (...) في المرة الرابعة أتينا إلى هنا وفاجأنا الطوفان وأخذ معه كل شيء".
قبل ست سنوات، نزح أبو خالد للمرة الأولى من ريف حماة الشرقي في وسط البلاد الى منطقة سنجار في محافظة ادلب (شمال غرب)، حيث تنقل لمرتين فيها جراء المعارك، قبل أن ينتقل مؤخراً إلى مخيم عشوائي أقيم على أطراف بلدة سرمدا القريبة من الحدود التركية.
يعيش أبو خالد حالياً في خيمة أحد جيرانه، بعدما أطاحت الأمطار الغزيرة والعواصف بخيمته.
وهو من بين 272 ألف مدني نزحوا وفق الأمم المتحدة في محافظة ادلب، حيث تشن قوات النظام بدعم روسي منذ 25 كانون الأول/ديسمبر هجوماً مكنها من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الجنوبي الشرقي بعد طرد هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) والفصائل المقاتلة.
ويقول أبو خالد الذي فقد أسنانه الأمامية ويضع كوفية بيضاء على رأسه "تركنا كل شيء خلفنا، راحت أرضي وأشجاري وعمري كله (...) لم احمل سوى الثياب التي أرتديها".
ومع استمرار المعارك العنيفة، يتوقع أبو خالد النزوح مجدداً. ويقول "كل ما أطلبه من الله هو الأمان والعودة إلى بيتي وأرضي".
ويعيش مئات النازحين في عشرات الخيم على أرض موحلة تنتشر فيها بعض أشجار الزيتون، وبقع كبيرة من المياه الموحلة.
- "تاريخ بكاء" -وتؤوي محافظة ادلب 2,5 مليون نسمة بينهم 1,1 مليون نازح من مناطق أخرى.
وشكلت المحافظة خلال السنوات القليلة الماضية وجهة أساسية لمقاتلين معارضين ومدنيين تم اخلاؤهم من مناطقهم بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية، على غرار أبو محمد (48 عاماً) القادم من مدينة داريا قرب دمشق.
بعد حصار طويل فرضته قوات النظام على المدينة التي كانت في طليعة حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري، أخرج سكان مدينة درايا خلال شهر آب 2016 على متن حافلات الى ادلب.
يتذكر أبو محمد هذا اليوم وكأنه حصل بالأمس. ويقول "كأنه تاريخ ميلاد، لكنه تاريخ بكاء ودم"، مضيفاً "أثناء جلوسك في الحافلة تفقد التركيز. لا تستطيع الكلام وأنت ترى بلدك خلفك، ولا تعرف أين ستعيش".
استقر أبو محمد مع زوجته وبناته الخمس وابنه حينها في بلدة جرجناز في ريف ادلب الجنوبي، لكن ذلك لم يحمه من القصف والمعارك.
ويوضح الرجل الملتحي الذي يلف رأسه بشال أسود "في الفترة الأخيرة، بدأت المعارك والقصف وتقدم الجيش على الثوار (...) وبدأت الناس تخرج نساءها وأطفالها، سقط صاروخان وبراميل قرب منزلنا، خفت على الأولاد".
منذ أكثر من شهر، استأجر أبو محمد وعائلته منزلاً صغيراً في بلدة قرب مدينة ادلب. وبات عليه حالياً أن يتأقلم مع الوضع ويبدأ من جديد.
ويقول "لا نجد عملاً بعكس ما كان الوضع في جرجناز، حيث صرنا نعرف أهلها وكنا نعمل معهم".
-"راجعين يا هوى" -قبل بضعة أسابيع من سيطرة قوات النظام على كامل مدينة حلب، تزوج صالح أبو قصي ومروى طالب اللذان كانا يقيمان في شرق المدينة وخرجا مع الالاف من سكانها بموجب اتفاق اجلاء بين الحكومة والفصائل المقاتلة.
وخلال أكثر من عام، وجد الزوجان نفسيهما مضطرين للنزوح خمس مرات من منزل إلى آخر في محافظة ادلب، إلى أن استقرا أخيراً في معرة مصرين في ريفها الشمالي.
وتقول مروى (20 عاماً) الحامل في شهرها الثامن، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، "كلما رتبنا أمورنا في البيت وارتحنا يعود القصف، فنحمل أغراضنا وننتقل إلى مكان آخر".
لم يبق لدى مروى الكثير من الذكريات من مدينتهما حلب سوى قبعة حاكتها وبعض الكتب ولوحة كتب عليها باللغة اليابانية، حملها صالح معه من تحت أنقاض أحد منازل حلب.
وتتذكر انه قبل خروجهما من حلب، "ذهبنا في آخر الأمر في جولة، وسرنا بين أرجاء حلب المهدمة، وكانت كلها على الأرض، والتقطنا بعض الصور".
وانتشرت في ذلك الحين صورة لهما وسط الركام، يحمل صالح فيها سلاحه الفردي على كتفه ويلف ذراعه حول زوجته وهما ينظران إلى جدار كتبت عليه عبارة "راجعين يا هوى".
وتقول مروى "تركنا خلفنا ذكرى كتبناها على الجدار، واذا عدنا أتمنى أن نجدها".