بحثا عن ذهب البلطيق الكنز العائد الى عصور ما قبل التاريخ
مع عواصف الخريف يلفظ البحر على شواطئ شمال بولندا كنزا يعود الى ازمنة غابرة وهو العنبر المعروف ب"ذهب البلطيق" الذي تصنع منه المجوهرات والقطع الفنية المطلوبة جدا.
في هذه الفترة من السنة في ميكوسيفو (شرق غدانسك) يكثر "صيادو" العنبر على شواطئ بحر البلطيق الرملية التي تعصف بها رياح شمالية-شرقية حيث تتكدس قطع هذا الصمغ البناتي المتحجر العائد الى 40 مليون سنة.
في هذه المنطقة الواقعة بين بلدة شالوبوفو البولندية وجيب كاليننغراد الروسي، يحفر العنبر منذ العصر الحجري الاخير اي قبل حوالى خمسة الاف سنة على ما يفيد خبراء.
اليوم مع انتشار مئات المحترفات الفنية المشهورة بابتكاراتها من المجوهرات والقطع الفنية المصوغة بحرفية ومعرض "ابريف" المهني الاهم في العالم ومتحف متخصص فريد من نوعه، باتت غدانسك من دون ا منازع عاصمة العنبر العالمية.
وفي ميكوسيفو يشكل تمشيط الشاطئ بدقة متناهية للعثور على حبيبات "ذهب البلطيق" هذا، تقليدا يعود الى مئات بل الاف السنين.
ويقول فلودزيميرس يانوفسكي (53) وهو فني ميكانيكي متقاعد من هواة الملاكمة، ان الامر يشكل شغفا فعليا بالنسبة له وبعد كل عاصفة قوية يتوافد السكان بحثا عن العنبر على هذا الشاطئ المطل على بحر البلطيق.
ويوضح يانوفسكي "مع بعض الحظ، وبعد عاصفة قوية يمكن ايجاد بعض القطع الجميلة قد يصل وزنها الى مئة غرام في اليوم الواحد" مشيرا الى ان سعر غرام العنبر ينطلق من حدود 10 يورو.
في كيسه حوالى 12 قطعة متفاوتة الحجم لونها بلون العسل.
وتم العثور في الماضي على قطع كبيرة من العنبر الخالص بحجم كرة قدم. اكبر هذه القطع وصل وزنها الى 9,75 كيلوغرامات هي موجودة في برلين. وثمة طلب خصوصا على القطع التي تحوي بداخلها اجزاء حشرات.
ويعود اصل العنبر الى غابات الصنوبر التي كانت تغطي ما يعرف الان بمنطقة اسكندينافيا. وكان الصمغ الذي يرشح عن جذوع الاشجار يتحجر عبر القرون ويجرفه البحر.
وفي بولندا يقدر مخزون العنبر بحوالى 650 الف طن وهو من الاكبر في العالم الا ان الكثير منها يقع على عمق كبير ويصعب استغلاله.
اما مناجم كاليننغراند الاقل عمقا فهي توفر مصدرا وافرا للحرفيين البولنديين.
وثمة اقبال كبير على الاساور والعقود وغيرها من الحلي المشغولة في هذه المادة التي تعود الى فترة ما قبل التاريخ.
بعضها يحوي على فقاعات هواء من العصر الحجري الاخير.اما البعض الاخر فيأخذ شكل العسل او قطرات شراب اشجار القيقب.
اما تلك التي تكون بلون "الازرق-الاخضر" فهي الاكثر ندرة والاغلى ثمنا.
في غدانسك شكل نحاتو العنبر اول جمعية للحرفيين المتخصصين العام 1477. واصبح القطاع مزدهرا بين القرنين السادس عشر والثامن عشر بفضل اقبال الطبقة الارستقراطية على هذه المادة.
الا ان تجارة العنبر فقدت بعد ازمة العام 2008، نصف الوظائف ال13 الفا التي كانت توفرها في ذروة ازدهارها قبل عشر سنوات.
ويقول ماريوش غليفينسكي نائب رئيس الجمعية الدولية للعنبر لوكالة فرانس برس "مع الازمة اضطرت المحترفات الاكبر الى التخلي عن نصف العاملين لديها فيما اغلقت الكثير من المحترفات الصغيرة ابوابها".
في غدانسك يعتبر لوسيان ميرتا (66 عاما) ملكا بلا منازع على نحاتي العنبر وابتكاراته معروفة في العالم باسره.
قصره في ضاحية غدانسك الميسورة يعج بقطع اثاث مصنوعة من كتل من العنبر المنحوت من طاولات ومكاتب صنادق، تزيد عن مئة قطعة.
ويؤكد انه نحت وامتلك اكبر مجموعة في العالم من القطع الفنية المصنوعة من العنبر.
اما العمل الاساسي في حياته الفنية كما يقول، فهو صندوق ضخم ارتفاعه 2,75 مترا مصنوع بالكامل من قطع عنبر مشغولة بدقة وهي قطعة فريدة.
ومن بين القطع الملفتة ايضا لوحتان مؤلفتان من منحوتي عنبر بالوان مختلفة على طراز "آر نوفو" والتيار الانطباعي مستوحتان من اعمال الرسام الفرنسي كلود مونيه.
ويقول النحات لوكالة فرانس برس "لا استطيع ان اقدر عملي بثمن فاني اقوم بعملي بكل حب".
وفي اطار مشروع قيد الدرس الان ستنقل المجموعة برمتها قريبا في اطار رحلة لتجول على معارض في روسيا والمملكة العربية السعودية وربما فرنسا.