أنسي الحاج لم يعد يحتمل الأرض فاختار أن ينطق "من وراء الموت"
Read this story in Englishرحل الشاعر والكاتب الكبير انسي الحاج بعد صراع مرير مع المرض كان اقعده قبل نحو شهرين، عن عمر يناهز السبعة والسبعين عاما، في رحلة حياة طويلة لم يرتوِ منها محبوه فيما هو علِم باكرا أنهم "لن يموتوا عليّ موتاً يضاهي حياتي".
يعتبر أنسي الحاج صاحب باع طويل في النهضة الشعرية والثقافية اللبنانية والعربية وعمل العديد من المجلات حين كان في الوقت عينه رئيس تحرير "صحيفة "النهار" (1992 - 2003) حتى كان يكتب أخيرا في الصفحة الأخيرة من صحيفة "الأخبار" صباح كل يوم سبت.
وساهم الحاج في العام 1957 الى جانب الشاعرين يوسف الخال وادونيس في تأسيس مجلة "شعر" وهو يعتبر احد رواد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر.
لأنسي الحاج ستّ مجموعات شعرية "لن" 1960، "الرأس المقطوع" 1963، "ماضي الايام الآتية" 1965، "ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة" 1970، "الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع" 1975، "الوليمة "1994 وله كتاب مقالات في ثلاثة اجزاء هو "كلمات كلمات كلمات" 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو "خواتم" في جزئين 1991 و 1997، ومجموعة مؤلفات لم تنشر بعد. و"خواتم" الجزء الثالث قيد الاعداد.
وفي نيسان 2007 صدرت أعماله الكاملة في ثلاثة مجلدات لدى "هيئة قصور الثقافة" في القاهرة.
تقول صحيفة "النهار" أنه في الستينات ساهم في إطلاق الحركة المسرحية الطليعية في لبنان من طريق الترجمة والاقتباس، وكانت ترجمته لمسرحية "كوميديا الأغلاط" لشكسبير بلغة حية ومتحركة (مسرحية) وفصحى، همزة وصل بين الجمهور والمسرح الجدي، قديمه وحديثه.
لكن نجاح هذه اللغة، ظهر، أكثر ما ظهر، مع ترجمة لمسرحية "الملك يموت" لاوجين يونسكو في العام 1965. ترجم ايضاً للفرق المسرحية اللبنانية (بعلبك – منير أبو دبس – برج فازليان – شكيب خوري – روجيه عساف – نضال الاشقر...) مسرحيات "العادلون" لكامو، "القاعدة والاستثناء" لبرشت، "احتفال لزنجي مقتول" لأرابال، "نبع القديسين"، "رومولوس الكبير" لدرونمات، و"الآنسة جوليا" لسترندبرغ.
تُرجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والارمنية والفنلندية.
أجمع الرثاء على أنسي الحاج في الصحف بكتابة قصيدة "تحت حطب الغضب" وفيها يقول "ما عدت أحتمل الارض فالأكبر من الارض لا يحتملها. ما عدت أحتمل الأجيال فالأعرف من الأجيال يضيق بها".
ويضيف "لم أتحكم لكني تعبت.ولن يبكيني أحد.حقاً ولن يرتعشوا لغيابي. حقاً كما كنت حاضراً ولن يستوحشوا مثل برج ولن يموتوا عليّ موتاً يضاهي حياتي".
أما الكاتب عقل العويط فعلى طريقته كتب قائلا "الآن، يستلقي أنسي الحاج على الغيوم، بين النور والظلام، وقد تعانقتْ في صدره الحياةُ وأشباحُها، ومن رأسه إلى رأسه يرتمي، ليصير مكانه في تلك الأحضان الوسيطة، في يد المعجزة".
وكان الحاج، وجوابا عن سؤال حول كيف يوجز مسيرته، وجهه اليه الاساتذة نبيل ايوب، هند اديب دورليان، جورج كلاس وصاغها الشاعر الياس لحود، في مستهل مقابلة أجروها معه لمجلة "كتابات معاصرة" (العدد 38، آب-ايلول 1999) قال:
"غالبا ما سردت الحكاية ذاتها. لا اعتقد ان ذلك يهم احدا. اندم اكثر مما افعل ولم افعل الا في غفلة من نفسي. وعندما لم يكن احد يسألني رأيي في الامور، كالحب والموت، قلت الحقيقة، ولم اعد اقولها دائما حين صار هناك من يسألني".
في 16 شباط الجاري كتب أنسي الحاج على صفحته على موقع "الفايسبوك" قائلا "أشعر أحياناً أنّي أكتب من وراء الكتابة كصوت من ينطق من وراء الموت" وبالفعل فإن أعمال الحاج ستبقى ناطقة لأجيال وأجيال.
"لن أكون بينكم
لأن ريشةً من عصفور في اللطيف الربيع
ستكلّل رأسي
وشجر البرد سيكويني
وامرأة باقية بعيداً ستبكيني
وبكاؤها كحياتي جميل" (من قصيدة تحت حطب الغضب)