حركة النهضة الاسلامية تسعى الى ترميم صورتها بعد تجربتها القصيرة في حكم تونس
Read this story in Englishتسعى حركة النهضة الاسلامية التي حلت ثانية في الانتخابات التشريعية التونسية خلف خصمها العلماني "نداء تونس" الى ترميم صورتها التي لحقها "اهتراء" بعد تجربة قصيرة في الحكم، وإلى إظهار احترامها للديموقراطية الناشئة في مهد الربيع العربي.
وبادر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الى تهنئة الباجي قائد السبسي رئيس "نداء تونس" بفوز حزب الأخير في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد، وذلك حتى قبل صدور نتائجها الرسمية المنتظر الاعلان عنها الخميس على اقصى تقدير.
وأعلن "نداء تونس" و"النهضة" حلولهما على التوالي في المرتبتين الاولى والثانية بناء على احصائيات ممثليهما في عملية فرز الأصوات.
والاثنين كتبت سمية ابنة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تغريدة على حسابها في تويتر ان والدها هنأ السبسي بفوز حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية ونشرت صورة للغنوشي يجري اتصالا هاتفيا.
ومساء الأحد قال عبد الحميد الجلاصي المنسق العام لحركة النهضة في خطاب ألقاه أمام أنصار حزبه "نعتبر ان الشعب التونسي انتصر، نعتبر ان حركة النهضة انتصرت لمساهمتها في ايصال الشعب التونسي إلى هذه المحطة (الانتخابية)".
ونظمت حركة النهضة مساء الاثنين أمام مقرها في العاصمة تونس احتفالا بمناسبة "نجاح الديمقراطية التونسية" دعت "جميع أنصارها وسائر التونسيين" الى المشاركة فيه.
وتم خلال الاحتفال الذي حضره مئات من أنصار الحركة إشعال الالعاب النارية ورفع أعلام تونس ورايات الحزب الاسلامي.
وكانت حركة النهضة فازت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المكلف صياغة دستور جديد لتونس التي جرت في 23 تشرين الاول/اكتوبر 2011 وكانت أول انتخابات حرة في تاريخ تونس.
وقادت الحركة من نهاية 2012 وحتى مطلع 2014، حكومة ائتلافية شكلتها مع حزبين علمانيين هما "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات".
ونهاية كانون الثاني/يناير 2014 تركت الحركة السلطة لحكومة غير حزبية بموجب خارطة طريق طرحتها المركزية النقابية القوية لاخراج تونس من ازمة سياسية حادة اندلعت في 2013 إثر اغتيال معارض بارز للحركة، وذبح جنود قرب الحدود مع الجزائر في عمليتين نسبتهما السلطات الى جماعة "أنصار الشريعة بتونس" التي صنفتها تونس والولايات المتحدة تنظيما "ارهابيا".
ويرى المحلل سليم الخراط ان الخطاب والسلوك السياسي لحركة النهضة "يعطي صورة عن حزب ناعم جدا، يهنئ خصمه بالفوز في الانتخابات، ويترك السلطة (مطلع 2014 لحكومة غير حزبية) رغم انه كان صاحب أكثرية المقاعد في البرلمان (89 مقعدا من إجمالي 217)".
وقال الخراط لفرانس برس "هذا الخطاب المتحضر قد يثير الدهشة في منطقة غير معتادة على تداول سلمي على السلطة".
ولم يكن خطاب حركة النهضة على هذا النحو غداة فوزها بانتخابات المجلس التأسيسي في 2011. فقد حاولت مطلع 2012 تضمين دستور تونس الجديد فقرة تنص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد وأخرى تنص على "تجريم الاعتداء على المقدسات" قبل ان تتراجع عن ذلك تحت ضغط احزاب المعارضة والمجتمع المدني.
وتقول الأحزاب العلمانية في تونس ان حركة النهضة حاولت بعد وصولها الى الحكم "اختراق" أجهزة الدولة و"تغيير نمط المجتمع التونسي" و"أسلمة" البلاد التي تعتبر من اكثر البلدان العربية انفتاحا على الغرب.
وتزامنت المدة التي قضتها الحركة في السلطة مع تدهور الاوضاع الاقتصادية وتصاعد عنف جماعات اسلامية متطرفة واغتيال اثنين من قادة المعارضة العلمانية، وقتل عناصر من الجيش والأمن في هجمات نسبتها السلطات الى اسلاميين متطرفين.
وتواجه حركة النهضة اتهامات بـ"التراخي" في التعامل مع الجماعات المتطرفة.
ويقر راشد الغنوشي ان حزبه أصيب بـ"التهرئة السياسية" بعد الفترة التي قضاها في الحكم، لكنه يعتبر ان حركة النهضة منعت البلاد من "الذهاب الى الفوضى".
وفي 22 تشرين الاول/اكتوبر الحالي، قال الغنوشي في مقابلة مع فرانس برس "نحن حفِظنا الدولة (..) ومنعنا البلاد من الذهاب إلى الفوضى أو الارهاب (..) قمنا بتضحيات. ضحينا بالسلطة من أجل تونس والديموقراطية".
ونجت تونس مهد الربيع العربي، من الوقوع في الفوضى التي تعيشها اليوم دول عربية شهدت ثورات.
وخلال حملة الانتخابات التشريعية، وجه راشد الغنوشي رسائل الى الغرب اعتبر فيها ان "نجاح" تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس هو البديل للجماعات الاسلامية المتطرفة.
وقال الغنوشي لفرانس برس ان "نجاح التجربة التونسية هو مصلحة دولية، خاصة في مواجهة التطرف ومواجهة داعش وامثالها، لأن النموذج التونسي هو البديل عن نموذج داعش".
ومنذ خروج النهضة من الحكم مطلع 2014، أصبحت عبارات مثل "التوافق" و"الوحدة الوطنية" من الكلمات المفاتيح في خطابات قياديي الحركة.
ويعتبر راشد الغنوشي انه لولا "التوافق" بين الفرقاء السياسيين في تونس، ما أمكن للمجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت) المصادقة نهاية كانون الثاني/يناير 2014 على الدستور الجديد للبلاد أو الاتفاق حول تاريخ اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ويرى المحلل صلاح الدين الجورشي ان حركة النهضة تسعى الى ترميم صورتها منذ ان أطاح الجيش المصري في يوليو/تموز 2014 بنظام الرئيس الاسلامي محمد مرسي، وقمع جماعة "الاخوان المسلمين" التي صنفتها السلطات المصرية تنظيما "ارهابيا".
وتعتبر المعارضة التونسية ان حركة النهضة امتداد لتنظيم الاخوان المسلمين فيما تنفي الحركة ذلك.
وقال الجورشي لفرانس برس ان "ما حصل في مصر هزهم، فقرروا استيعاب الدرس وتقليص تصادمهم مع الدولة والمجتمع ومختلف النخب، وهو أمر كان صعبا وأثار نقاشات داخل الحزب خصوصا بشأن العاقات مع حزب نداء تونس".
وكانت حركة النهضة صاحبة اغلبية المقاعد في البرلمان تخلت عن تمرير "قانون تحصين الثورة" الذي كان يستهدف منع مسؤولي نظام الرئيس المخلوع بن علي من الترشح الى الانتخابات.
وفي هذا السياق قال سليم الخراط "هذا يظهر البراغماتية الاستثنائية وقدرة حركة النهضة على التكيّف مع سياق تطور الوضع السياسي".
ولا يستبعد مراقبون قيام تحالف حكومي، بعد الانتخابات، بين حركة النهضة ونداء تونس.