تقرير "أفد": التغيير الأخضر ينتشل الاقتصاد العربي

Read this story in English W460

أظهر تقرير "الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر" الذي أطلق في افتتاح المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، المنعقد في 27 و28 تشرين الأول في فندق الحبتور غراند في بيروت، أن خفض دعم أسعار الطاقة في المنطقة العربية بنسبة 25 في المائة سوف يحرر أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء.

وبتحضير 50 في المائة من قطاع النقل في البلدان العربية، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 بليون دولار سنوياً.

كما أظهر تقرير المؤتمر الذي أقيم برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، وقد مثله وزير البيئة ناظم الخوري، بحضور أكثر من 20 نائبا، أنه " بإنفاق 100 بليون دولار في تخضير 20 في المائة من الأبنية القائمة خلال السنين العشر المقبلة، يُتوقَّع خلق أربعة ملايين فرصة عمل".

وشدد التقرير على ضرورة أن " تعزز البلدان العربية أن كفاءة الري واستخدام المياه وتمنع تلوثها، مع العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة التي يعاد استخدامها من 20 في المائة حاليا إلى مائة في المائة".

ومن شأن ذلك أيضا تخفيض كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية البالغة نحو 95 بليون دولار سنويا.

وأظهر التقرير أيضا نتائج مشابهة في مجالات متعددة، كمردود الاستثمار في تخضير قطاعات النفايات والصناعة والسياحة والزراعة. وهو يتضمن أكثر من 60 دراسة حالة عن تجارب ومبادرات ناجحة في العالم العربي في مجال التحول الى الاقتصاد الأخضر.

وشارك في المؤتمر نحو 500 مندوب من جميع أنحاء العالم العربي ودول أخرى، 25 في المائة منهم من الحكومات والقطاع العام، و25 في المائة من القطاع الخاص، و20 في المائة من منظمات المجتمع المدني، و20 في المائة من الجامعات ومراكز الأبحاث، و10 في المائة من المنظمات الإقليمية والدولية، إضافة الى ممثلي 86 مؤسسة إعلامية عربية وأجنبية.

وألقى الوزير ناظم الخوري كلمة رئيس الجمهورية الذي نوه بتقرير المنتدى، وقال: "يشهد العالم نمواً متسارعاً لتجارة الخدمات والسلع البيئية مقارنة مع القطاعات التجارية العالمية الأخرى، في حين أن عالمنا العربي يبقى على هامش هذا القطاع، بنسبة أدنى من واحد في المئة من القيمة الاجمالية لهذه التجارة التي تبلغ نحو 618 بليون دولار أميركي".

وأشار الى أن نسبة الميزانية التراكمية التي تصرف على البيئة من الصناديق والمصارف العربية التنموية عبر قروض وهبات لا تتعدى 6 في المئة من ميزانيتها الاجمالية. واعتبر أنه "أمام المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية المزمنة، قد يكون موضوع مؤتمر "أفد" عن الاقتصاد الأخضر هو الحل من خلال الإصلاح المالي البيئي".

ودعا إلى الاقتداء بالدول الأوروبية في تحصيل الضرائب على أساس حجم التلوث وليس على أساس حجم الانتاج، مضيفاً: "يمكن لهذا النوع من الاقتصاد الأخضر الجديد أن يفتح أبواباً جديدة أمام القطاع الخاص العربي، يهدف الى إحداث فرص عمل للشباب العربي الواعد الذي لعب الدور الأساسي في التغيير الذي شهدناه في المنطقة".

من جهته، رحب رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية دولة الدكتور عدنان بدران بالمشاركين، وقال: " قد يبدو غريبا للوهلة الأولى الحديث عن الاقتصاد الأخضر في الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها المنطقة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

وأردف: "لكن التمعّن في الموضوع الذي يطرحه المنتدى يُظهر أن التحول الى الاقتصاد الأخضر يمكن أن يساعد في نقل العالم العربي الى اتجاه جديد في التنمية يؤمن الاستدامة والاستقرار، في البيئة كما في الاقتصاد".

وأوضح أن من المبادئ الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساوٍ للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. وتلبية هذه الأهداف الثلاثة توفر أساساً سليماً لمعالجة نقاط الضعف في الاقتصادات العربية، من تخفيف الفقر والبطالة، الى تحقيق أمن غذائي وطاقوي، الى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. ومن صفات الاقتصاد الأخضر أيضاً أنه يركز على الاستخدام الكفوء للأصول الطبيعية من أجل تنويع الاقتصاد، وهذا يوفر مناعة في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي.

وعن سبل تأمينُ الاستثمارات المطلوبة لتنفيذِ مقترحات التقرير للتحول الى الاقتصاد الأخضر، قال بدران: "هذا ليس مستحيلاً اذا توفرت الارادة. فلنتذكر أنه عقِبَ الانهيار الاقتصادي الذي ضرب العالم عام 2008، ازدادت الميزانيات المخصصة للتسلح بنسبة 7 في المئة عام 2009، أي ما يتجاوز مئة مليار دولار. إن توفير هذا المبلغ فقط يكفي لمجابهة تحديات تغيّر المناخ والانتقال الى الاقتصاد الأخضر".

وعُرض الفيلم الوثائقي "التغيير الأخضر" الذي أعده المنتدى، وهو يتناول دور الاقتصاد الأخضر في وضع حد للفقر والبطالة، وتحقيق الأمن في الماء والغذاء والطاقة، وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل. ويعرض مشاريع تعتمد الاقتصاد الأخضر تم تنفيذها في العالم العربي.

وتحدث أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب، فقال: "الاصلاحات السياسية تؤدي إلى وضع حد للفساد كما لسوء إدارة الموارد الطبيعية. ولا بد للحكومات الأكثر تمثيلاً لشعوبها أن تعمل بإرادة سياسية أقوى لادارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة".

وقدم صعب تقريراً عن أعمال المنتدى لسنة 2011. فضمن برنامج المسؤولية البيئية لقطاع الأعمال، أقام المنتدى ورش عمل حول كفاءة المياه، بناء على الدليل الذي أصدره، بدأت نتائجها في اتجاهات جديدة للسياسات. وتم تقديم تقرير المنتدى لعام 2010 حول المياه العربية ومناقشته مع مسؤولين من جميع القطاعات، وصولاً الى توصيات لاصلاحات في السياسات المائية. وأعد المنتدى مبادرة للاقتصاد العربي الأخضر، وأقام ثلاث ورش عمل واجتماعات تشاورية حولها في سبع عواصم.

وشارك المنتدى في مفاوضات تغير المناخ، وعمل مع العديد من الوفود العربية للتوصل إلى مواقف متقدمة، حتى إقرار تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) في مؤتمر كانكون، كإحدى آليات التنمية النظيفة. كما شارك في إعداد ستة تقارير وخطط عمل إقليمية ودولية للتكيف مع تغيّر المناخ في المنطقة العربية.

وأصدر المنتدى دليلاً عملياً لكفاءة الطاقة في المنطقة العربية وللادارة البيئية في قطاع الأعمال. كما أعد دليلاً شاملاً في التربية البيئية لاستخدامه في المناهج التربوية والتعليم. وتم توسيع التعاون مع وسائل الاعلام الأعضاء، حيث تنشر 12 صحيفة يومية رائدة في جميع أنحاء العالم العربي صفحات بيئية أسبوعية أو شهرية بالاشتراك مع المنتدى.

يشار الى أنه باتت تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية مرجعا رئيسيا لحالة البيئة العربية. في ما يأتي بعض أبرز ما تضمنه تقرير "الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر"، الذي يضم ثمانية فصول في 320 صفحة، مع رسوم بيانية وجداول إحصائية وصور.

قدر معدل الكلفة السنوية للتدهور البيئي في البلدان العربية بنحو 95 بليون دولار، أي ما يعادل 5 في المئة من مجموع ناتجها المحلي الاجمالي عام 2010.

الزراعة: إذا ارتفعت نسبة العمال الزراعيين في المنطقة العربية إلى 40 في المئة من القوة العاملة نتيجة التحول الى الممارسات المستدامة، فسوف يولّد ذلك أكثر من 10 ملايين وظيفة في القطاع. إضافة الى هذا، ومن المتوقع أن يحقق هذا التحول وُفورات في البلدان العربية تراوح بين 5 و6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، أي ما مقداره نحو 100 بليون دولار سنوياً، نتيجة ازدياد الانتاجية المائية وتحسين الصحة العامة وحماية أفضل للموارد البيئية.

المياه: على البلدان العربية أن تركز على سياسات تضبط وتنظم الوصول الى المياه، وتعزز كفاءة الري واستخدام المياه، وتمنع تلوث المياه، وتقيم مناطق محمية حيوية لموارد المياه. ويجب العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة من 60 في المئة حالياً إلى ما بين 90 و100 في المئة، كما يجب زيادة نسبة المياه المعالجة التي يعاد استخدامها من 20 في المئة حالياً إلى مئة في المئة. ولا بد من تطوير تكنولوجيات جديدة للتحلية محلياً، خاصة باستخدام الطاقة الشمسية.

الطاقة: إذا انخفض معدل الاستهلاك الفردي السنوي للكهرباء في البلدان العربية الى المعدل العالمي، من خلال إجراءات كفاءة الطاقة، فسوف يولد ذلك وفورات في استهلاك الكهرباء يقدَّر أن تصل الى 73 بليون دولار سنوياً. وإذا خفض دعم أسعار الطاقة بنسبة 25 في المئة، فسوف يحرر ذلك أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء.

الصناعة: من أهم الإجراءات لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون اعتماد تكنولوجيات الانتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة، وتجهيز المصانع القائمة بمعدات كفوءة بالطاقة حيثما كان ذلك عملياً من الناحية الاقتصادية. ويقدَّر أن يؤدي تخفيض متطلبات الطاقة بنسبة 30 في المئة، نتيجة عمليات صناعية أكثر جدارة، الى وفورات سنوية مقدارها 150,000 بليون كيلوواط ساعة، أو 12,3 بليون دولار.

النقل: بتخضير 50 في المئة من قطاع النقل في البلدان العربية، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 بليون دولار سنوياً.

المباني: من المتوقع أن يسفر دمج اعتبارات فعالية الطاقة في تصميم الأبنية عن انخفاض بنسبة نحو 29 في المئة في الانبعاثات الكربونية بحلول سنة 2020، ما يخفض الاستهلاك بمقدار 217 بليون كيلوواط ساعة ويولد وفورات بمقدار 17,5 بليون دولار سنوياً. الى ذلك، فإن إنفاق 100 بليون دولار في تخضير 20 في المئة من الأبنية القائمة في البلدان العربية خلال السنين العشر المقبلة، باستثمار ما معدله 10,000 دولار لكل مبنى لتركيب تجهيزات حديثة، يُتوقَّع أن يخلق أربعة ملايين فرصة عمل.

النفايات: يمكن أن يؤمن تخضير قطاع إدارة النفايات للبلدان العربية 5,7 بليون دولار سنوياً. وتساهم الإدارة الخضراء للنفايات في خلق الوظائف، كما توفّر فرصاً استثمارية فريدة في إعادة التدوير وإنتاج السماد العضوي وتوليد الطاقة.

السياحة: يجذب قطاع السياحة العربية نحو 60 ألف سائح سنوياً، ويقدر أن يؤدي المزج بين اعتماد تدابير كفاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة الى خفض 45 في المئة من استهلاك الطاقة، و52 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. يضاف الى ذلك تخفيض استهلاك المياه بنسبة 18 في المئة باعتماد تدابير كفاءة المياه.

يشدد تقرير "أفد" على أن المنطقة العربية غير مضطرة الى الاختيار بين التنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية والنظم الايكولوجية السليمة. فالاقتصاد الأخضر، في تصميمه، يسعى الى تحقيق أهداف سياسية اقتصادية واجتماعية وبيئية. وسوف تحتاج التغيرات التي يقترحها التقرير الى تحولات في السياسات والنظم الاقتصادية.

مصدرنهارنت
التعليقات 0