المدنيون الفارون من معارك الموصل في بداية رحلة مصيرها مجهول
Read this story in English"حاذروا أيديكم"، يصرخ رجل بينما يغلق الابواب الحديدية الثقيلة لشاحنة عسكرية محملة بالمدنيين الهاربين من المعارك في غرب الموصل والذين بدأوا رحلة لا يعرفون إلى أين ستقودهم بعد نجاتهم من كابوس الجهاديين.
غطت صباح الموصل سماء انتشرت فيها غيوم داكنة وسحب دخان، فيما تواصل القوات العراقية تنفيذ عميلة انطلقت في 17 تشرين الاول، لاستعادة المدينة التي تعد اخر اكبر معاقل تنظيم الدولة الاسلامية في البلاد.
واعلنت قوات الامن سيطرتها على الجانب الشرقي للمدينة في 19 شباط، قبل ان تبدأ عملية ثانية لاستعادة القسم الاخر من المدينة، ادت الى وقوع دمار وخراب بعد مرور اكثر من اربعة اسابيع على انطلاقها.
ودفعت المعارك التي خلفت الموت والدمار أكثر من 180 الف مدني الى الفرار تاركين كل ما يملكون خلفهم في الجانب الغربي لثاني مدن العراق.
بين النازحين، سار ياسر أحمد (35 عاما) وهو يحمل طفلا على كتفه وبدا ظهره منحنيا جراء التعب، عبر شارع وسط اجراءات تفتيش تجريها قوات مكافحة الارهاب، فيما انتشرت على جانبيه مبان مدمرة.
وقال هذا الرجل الذي يرتدي ملابس رياضية رمادية اللون لطخها الوحل متحدثا عن الجهاديين، "حاصرونا لمدة خمسة عشر يوما، لم يدعونا نخرج".
وتابع ، اخيرا "مساء امس، تحت ضغط القوات الأمنية تراجعوا لذلك تمكنا الهرب هذا الصباح، حوالى السادسة صباحا".
وفيما يستمر سماع دوي انفجار قذائف الهاون، سار عشرات حالهم مثل حال احمد، تحت المطر وبينهم من يقود عربة حديدية تقل اطفالا او مسنين بعد ان قطعوا مسافات طويلة، وعلامات التعب والغضب واضحة على وجههم.
وكان بينهم من يحمل أكياسا بلاستيكية او حقائب تحمل ما سمح لهم الوقت بأخذه معهم، بدلا من الفرار بأيد خالية.
كان عليهم اغتنام أول فرصة للفرار وبسرعة، بعد أن قضوا ايامهم الاخيرة في غربي الموصل بدون ماء ولا طعام ووسط خوف متواصل زرعه الجهاديين.
وقال عادل عبد الكريم (27 عاما) "كان القناصة يتواجدون فوق أحد المخازن (...) يطلقون النار على الناس".
ــ "بلا مستقبل" ــيجد المدنيون الفارون بعد ساعات من السير شاحنات عسكرية وحافلات بانتظارهم عند طريق رئيسي على مداخل الموصل.
ولكن حالة من الفوضى العارمة تحيط بهؤلاء النازحين الذين يسرعون للتكدس في الشاحنات ويتدافعون للعثور على مكان فيها، في حين تعلون أصوات صراخ وبكاء هنا وهناك، فيما يتفاوض البعض ويشكو آخرون.
في هذه الأثناء، سقطت امرأة تضع نقابا أسود في الوحل بعد محاولة فاشلة للصعود إلى الشاحنة.
وقال أحد عناصر الامن متحدثا لفرانس برس، "نهتم بالنساء والاطفال، لكن نجد صعوبة في القيام بعملنا، فنحن أمام أعداد كبيرة جدا".
في هذه الاثناء، يصرخ رجل "احذروا ايديكم" وهو يغلق أبواب شاحنة تكدس بداخلها عشرات النازحين، وبدت على وجوههم مناشدات للاستغاثة.
ويفترض ان ينضم هؤلاء الفارون إلى آخرين لجأوا قبلهم الى مخيمات للنازحين حول الموصل.
وستوزع عليهم في المخيمات مساعدات من الأغذية والأغطية ويقدم لهم الدعم للتغلب على الصدمة والظروف القاسية التي مرت بهم، والتي يرجح أن يبقوا فيها إلى حين العودة إلى منازلهم في حال نجت من الدمار جراء المعارك.
وبصوت حزين، قال بلال عبد الجبار (43 عاما) وبحانبه ابناه اليافعان قبل صعوده الى الشاحنة، "لم يكن هناك ماء ولا طعام، من حيث جئنا، معارك فقط". وتابع قائلا بحيرة، "وإلى حيث نذهب، ليس هناك مستقبل".