السوريون يفرون من دمشق وحلب.. لا ملاذا آمنا للنازحين

Read this story in English W460

كانت دمشق وحلب تشكلان منذ بدء الاضطرابات في سوريا قبل اكثر من 16 شهرا، ملاذا آمنا للهاربين من العنف الدموي، قبل ان تجبرهم المعارك العنيفة التي اندلعت في هاتين المدينتين اخيرا على النزوح مجددا.

عائلة ألما التي غيرت مكان سكنها مرتين حتى الآن منذ نزوحها من مدينة حمص في وسط البلاد في آذار، تسعى الان الى مغادرة دمشق، وربما العودة الى حمص، بعد ان وصل العنف الى العاصمة منذ نحو اسبوعين.

وتقول الما، البالغة من العمر 18 عاما والتي تقدم نفسها باسم مستعار، لوكالة فرانس برس "هربنا من حمص بعد ان اعتقلت شقيقتي وهي ناشطة مع الثورة"، مضيفة "ذهبنا الى لبنان حيث لم نتلق اي مساعدات وبالتالي لم نستطع تحمل نفقات البقاء فيه".

لذلك، انتقلت العائلة الى حي ركن الدين في دمشق التي كانت تعتبر حتى وقت قريب من اكثر المدن السورية امانا.

الا ان الحي تحول الى ساحة للمعارك بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين الساعين الى اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد.

وتقول الما "لم نعد نعرف الى اين نذهب بعد الآن"، مشيرة الى ان العديد من عائلات حمص التي كانت نزحت الى دمشق قررت العودة الى حمص.

وتضيف "ذهبت الى محطة الحافلات ورأيت مئات الاشخاص يقفون في صفوف طويلة في انتظار نقلهم الى حمص. (...) اعتقد ان هؤلاء يشعرون بانه اذا كان عليهم ان يعيشوا في خطر، فالافضل لهم ان يكونوا في بيوتهم".

ودفع العنف المتصاعد في سوريا عشرات آلاف المواطنين الى اللجوء الى دول الجوار، وتحديدا الاردن ولبنان وتركيا.

وبحسب غيوم شارون من مركز "انترنل دسبلايسد مونيتورينغ سنتر" (مركز مراقبة النزوح الداخلي) الذي يتخذ مركزا له في جنيف ، فان ما لا يقل عن مليون ونصف المليون شخص نزحوا داخل سوريا نتيجة اعمال العنف بحلول الاسبوع الماضي.

وفي مدينة حلب في شمال البلاد، تتواصل منذ اكثر من اسبوع الاشتباكات العنيفة بين الجيش النظامي والمقاتلين المعارضين، ما تسبب، بحسب الامم المتحدة، في نزوح جماعي لنحو مئتي الف شخص من سكان المدينة في غضون يومين الى خارجها. ويتعذر معرفة عدد السكان المحاصرين او الذين بقوا داخل حلب.

وامضت ليلى (اسم مستعار) وعائلتها يوما كاملا مختبئين في ملجأ تحت الارض، في وقت كانت معارك عنيفة تدور بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين في حي صلاح الدين المجاور لمنزلهما.

وتقول ليلى "بقينا في القبو طوال اليوم، والطائرات تقصف فوق رؤوسنا. كنا نسمع اصوات القصف واطلاق النار. كان امرا لا يحتمل".

ومع استمرار القتال والقصف حتى صباح اليوم التالي، قررت ليلى ووالدتها بالاضافة الى اثنين من اقاربهما المجازفة بقيادة السيارة من الضاحية الجنوبية الغربية للمدينة الى منزل جدتها بالقرب من وسط حلب.

اما والدها "فرفض المغادرة وترك المنزل". وتضيف "نحن الآن نازحون رسميا، لكن حمدا لله اصبحنا في وضع افضل من اولئك الذين يفترشون الطرق".

وتتابع "كل ما اريده العودة الى المنزل في اقرب وقت".

ويصف ناشط يقدم نفسه باسم ابو ليلى التنقل من حي الى آخر بانه "مقامرة"، مشيرا الى انه يعمل مع شبكة من المتطوعين في مدينة حلب تهتم بتامين الطعام والماوى للسكان.

ويقول "كل تحركنا حاليا هو داخل مدينة حلب، اذ لم يعد من مكان لهؤلاء الناس باستثناء الاحياء الاكثر امنا من سواها".

ويقدر ابو ليلى عدد الذين لجأوا الى مدارس ودور سكن جامعي ومراكز جميعات خيرية في حلب بنحو 70 الف شخص.

ويقول "الآخرون اما لجأوا الى مساكن اقارب واصدقاء، واما ينتظرون الاغاثة في الحدائق العامة والشوارع".

وتحدد شبكة المتطوعين هذه التي تعمل على مدار الساعة كيفية توزع الملاجئ في حلب على خارطة تفاعلية على موقع غوغل. وتم امس الاثنين فتح خمسة مدارس جديدة امام النازحين لايوائهم.

ويقول ابو ليلى "انه امر مدهش. اقيم عرس امس في احدى هذه المدارس" حيث جمعت الماساة الانسانية الناس من مختلف المشارب.

في مراكز النزوح الموقتة هذه، يقول ابو ليلى "لا مشاكل بين مؤيدي النظام ومعارضيه. كلهم تجمعهم الماساة".

لكن حس المشاركة والخدمة لا يكفي. ففي مراكز استضافة النازحين هذه، يترك النقص في امدادات الوقود والمواد الغذائية والطبية اثاره السلبية على كل مستويات المجتمع.

ويقول ابو ليلى "خلال الايام الاولى، هرع عدد كبير من المواطنين للتبرع بالطعام والثياب وغيرها من الحاجات. لكن منذ تفاقم الوضع، راح الدعم يخف وبات الناس اكثر قلقا على انفسهم".

ويقول نائب ممثلة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دمشق بول سترومبورغ ان الاضطرابات الاخيرة في دمشق وحلب اوجدت ضغطا على شبكات التضامن العائلي وثقافة حسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع السوري.

ويضيف "هناك ضغط كبير"، مشيرا الى ان بعض المجتمعات قد تنظر الى "التدفق المفاجئ للنازحين" على انه امر سيثير المتاعب بغض النظر عن تعاطفهم مع هؤلاء الهاربين من اعمال العنف.

ويشير ابو ليلى الى ان المقاتلين المعارضين ليسوا موضع ترحيب اينما ذهبوا، ذلك ان تواجدهم في منطقة بات يعني ان "السكان سيتحولون الى اهداف للقصف".

ويضيف "ما ان يقول احدهم على موقع تويتر ان حيا ما تم تحريره (من القوات النظامية)، يعني ذلك انه والاحياء المجاورة سيتحول الى ساحة حرب".

ويقول الناشط "حلب ودمشق هما آخر ملجأ للسوريين"، مضيفا ان "اي تصعيد في هاتين المدينتين شبيها بما شهدته مدينتا حماه او حمص، ستترتب عليه ماساة انسانية كبرى".

ويضيف "بكلمة، سيعني ذلك ابادة جماعية".

التعليقات 0