معاناة العراقيين تختلط بماساة الحسين في كربلاء
Read this story in Englishمن العتبة العباسية، الى العتبة الحسينية، يسير زوار كربلاء الشيعة في مجموعات تردد اناشيد اختاروا ان يمزجوا فيها هذا العام بين ماساة الامام الحسين قبل نحو 1330 عام، ومعاناة العراقيين اليوم.
وبصوت واحد، تهتف مجموعة مؤلفة من مئات الرجال الذين ارتدوا ثيابا سوداء حدادا على الامام الحسين، ثالث الائمة المعصومين لدى الشيعة، شعرا شعبيا موزونا على وقع الضرب بحركة ايقاعية على الصدور.
ويقول هؤلاء "الف ليلة وليلة خلصت، وما خلص هم العراق، والرئاسات الثلاث ما حصل عندهم وفاق، كلها تركض على المناصب، والشعب حصته المتاعب، يا حسين وياك (معك) للموت، للموت وياك".
ومدينة كربلاء حيث مرقد الامام الحسين واخوه العباس، مركز احياء ذكرى واقعة الطف حيث قتل جيش الخليفة الاموي يزيد بن معاوية الامام الحسين، حفيد النبي محمد، مع عدد من افراد عائلته العام 680 ميلادية.
وتغص المدينة الواقعة الى جنوب بغداد منذ ايام بمئات آلاف الزوار الشيعة الذين يسيرون في شوارعها ضمن مواكب يطلق عليها اسم "المواكب الحسينية"، في مراسم سنوية تبلغ ذروتها في العاشر من شهر محرم، ليل السبت الاحد.
والى جانب المواكب التي تردد الاناشيد ويقودها منشد يعرف باسم "الرادود"، تنتشر في شوارع المدينة ايضا مواكب تعرف باسم "التطبير"، يرتدي المشاركون فيها ملابس بيضاء ويحلقون رؤوسهم قبل ان يقوموا بالضرب عليها بالسيوف على وقع الطبول، للتعبير عن المشاركة بمصاب الامام وعائلته.
وعادة ما تحمل الاناشيد بعض الاسقاطات السياسية، الا انها المرة الاولى التي يمزج فيها الزوار بهذا الشكل تفاصيل معاناتهم اليومية بذكرى العاشر من محرم.
ويقول حامد ميري الذي يقود احد المواكب الحسينية في منطقة العباسية في كربلاء لوكالة فرانس برس "لقد اخذنا على عاتقنا تجسيد ثورة الاصلاح التي نهض بها الامام الحسين قبل اكثر من 1330 عاما، من اجل تحقيق الاصلاح هنا".
ويضيف "علينا اليوم الا نكتفي باحياء وقفته باللطم والعزاء وتوزيع الاطعمة فقط وانما باطلاق صرخات عالية لاصلاح الانظمة الحاكمة"، مشيرا الى ان "تزايد الفساد والتدهور في البلاد دفعنا الى زيادة الاناشيد لانتقاد الاوضاع".
وتاتي ذكرى عاشوراء هذا العام في وقت يعيش العراق منذ اشهر على وقع ازمات سياسية متلاحقة، عنوانها الصراع على السلطة بين مكوناته والمحاصصة المذهبية والطائفية التي باتت تطبع نظام الحكم فيه.
ويولد هذا الصراع سخطا لدى عامة الشعب الذي يواجه نقصا كبيرا في الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة في بلاد غنية بالنفط تبلغ موازنتها السنوية نحو 100 مليار دولار.
ويعلو خلف ميري صوت المشاركين في الموكب وهم يهتفون بصوت واحد "نبني البنى التحتيه بجدارة، ندري الدفع بالاجل خسارة، فلوس النفط جاوين (اين)، وتغرقونه بالدين".
ويضيف هؤلاء "الفساد المالي فد عمله ويه (عمله يوازي) الارهاب، على من تعتب ومن يسوه العتاب (من نعاتب)، وحك اجفوف (بحق يدي) العباس، سمجنا (اسماكنا) فاسد الراس".
ويقولون في هتاف آخر "بكت كلشي (اخذت كل شيء) وتريد تبوك (تاخذ) صوتي، ما خليك لو حتى على موتي، تخالف الدستور يلي اصعدت بالزور، يا بو اليمة يا بو اليمة (ايها الامام) هاك اسمع حجينا (اسمع حكينا)".
والى جانب النقص في الخدمات، يشهد العراق منذ اجتياحه على ايدي قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة عام 2003، اعمال عنف يومية تشمل الاغتيالات والعبوات والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، قتل فيها عشرات الآلاف.
كما يعتبر العراق الذي يبلغ عدد سكانه نحو ثلاثين مليون نسمة احد اكثر دول العالم فسادا بحسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، حيث يستشري الفساد في المؤسسات الحكومية من اعلى الى ادنى درجاتها.
ومؤخرا قرر العراق اعادة التفاوض مع روسيا بشان صفقة تسليح ضخمة بسبب شبهات فساد.
وكانت روسيا اعلنت خلال زيارة لرئيس الوزراء نوري المالكي في التاسع من تشرين الاول انها وقعت مع العراق عقود تسلح بقيمة تفوق 4,2 مليارات دولار.
ولم يستثن زوار كربلاء هذه الصفقة من اناشيدهم.
وقالت احدى المجموعات "صفقات السلاح انكول (نقول)، يا فاسد لعب بيها (تلاعب فيها)، واجب على الحكومة صار تحكي ولا تغطيها، كافي موجزه (لا يجوز)، الفاسد لا احد يرده".