عبدالله للاسد من نيويورك: الجراحة التي خضعت لها لن تؤثر باستكمال الخطوات لتثبيت الحلّ في لبنان
Read this story in Englishالمكالمات الهاتفية بين الملك السعودي عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد لم تنقطع بالرغم من الوعكة الصحية التي تعرّض لها الملك وسفره الى نيويورك لتلقي العلاج.
وذكرت صحيفة "الاخبار" ان الملك خابر الأسد أكثر من مرة بغية إبلاغه الآتي:
اولاً، طمأنته إلى مسار علاجه، بعدما ألحّ الرئيس السوري على تتبع دقيق ومتواصل للحال الصحية للملك.
ثانياً، تأكيده له أن التقدّم الذي أحرزه تفاهمهما على حلّ للمأزق اللبناني من جراء الانقسام الداخلي على المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يزال قائماً.
ثالثاً، أبلغه أن مرضه، ومن ثم الجراحة التي أخضع لها، لن يؤثرا في استكمال الخطوات التالية لتثبيت هذا الحلّ.
واشارت الصحيفة عن مطّلعين من دمشق على فحوى هذه الاتصالات، ان الملك اوضح للاسد أنه أصبح على قاب قوس أو أدنى من تفاهم محتمل مع واشنطن على المحكمة الدولية، الأمر الذي سيحمل نجله عبد العزيز على مواصلة الجهود قريباً مع دمشق.
واوضحت الصحيفة ان هذه المعطيات تُبرز مقاربة دمشق الحلّ الذي تحاول إبرامه مع الرياض، وفق الملاحظات الآتية:
1- لا يزال الأسد يراهن، إلى أبعد الحدود، على العاهل السعودي ودوره في التوصّل إلى مخرج للمحكمة الدولية استناداً إلى تعهّد قطعه له، ويثق بجدّيته، وإن استغرق بعض الوقت، ويلمس أنه نجح، حتى الآن على الأقل، في تخطي عقبات أساسية. وتقرن القيادة السورية هذا الرهان باقتناع يعبّر عنه المسؤولون السوريون، مفاده يقين الملك بضرورة وضع حدّ لاضطراب الوضع اللبناني وتجنيبه أي أسباب للقلاقل أو الفوضى بسبب المحكمة الدولية.
2- يرتبط إخراج لبنان من المحكمة بمستويين متلازمين: أولهما داخلي منوط برئيس الحكومة سعد الحريري وبالطرف الآخر في النزاع القائم، وهو حزب الله، المعنيين بتحديد الآلية التي سيتبعانها لتحقيق هذا الإخراج. وثانيهما خارجي منوط بالملك السعودي لحماية هذا الحلّ من الأميركيين، ومن الضغوط التي قد يمارسونها للحؤول دونه.
3- لم يعد القرار الاتهامي، سواء بصدوره أو بتفاديه، هو المشكلة، بل المحكمة الدولية التي أصبحت وحدها موضوع الحلّ الجاري التفاهم عليه بين دمشق والرياض. منذ صدرت التسريبات المتتالية عبر الإعلام الأجنبي قبل سنة وسبعة أشهر، بدءاً بالألماني مروراً بالإسرائيلي والفرنسي وانتهاءً بالكندي حتى الآن على الأقل، عن مضمون القرار الاتهامي والاتهام الذي يسوقه إلى حزب الله باغتيال الرئيس الأسبق للحكومة، بدأت سوريا وحزب الله يتصرّفان على أن القرار الاتهامي قد صدر فعلاً، وأن مسرحه قد أعدّ تماماً لقياس ردود الفعل عليه، والتوقعات التي سيفضي إليها. على نحو مماثل، جهّز حزب الله، هو الآخر، المسرح المضاد لمواجهة القرار الاتهامي، ومن خلاله المحكمة الدولية.
ورغم أن بعض المعلومات يتحدّث عن أن الحزب حدّد بالفعل، قبل أسابيع، خياراته في مواجهة القرار الاتهامي، وباتت هذه في عهدة مجلس الشورى فيه الذي يرأسه الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، وأن هذه الخيارات محاطة بسرّية كاملة تقتصر معرفتها على الأعضاء الـ7 في المجلس دون سواهم في أي موقع آخر في الحزب، يُفصح ذلك عن استعداد حزب الله لخوض الاحتمالات الإيجابية والسلبية على السواء الناجمة عن صدور القرار الاتهامي. بدورها دمشق تثابر على دعم الجهد السعودي للانتقال بالحلّ من القرار الاتهامي إلى المحكمة الدولية التي باتت مصدراً مباشراً لاستمرار التوتر والنزاع الداخلي في لبنان.
4- لا شريك لسوريا في لبنان سوى السعودية التي تملك، شأن دمشق، أوراقاً مهمة للنفوذ من خلال علاقتها المميّزة برئيس الحكومة وحلفائه، وقدرتها كذلك على فرض أي خيار على الحريري في مسار أي حلّ تتفق عليه مع سوريا. في المقابل، لم يعكس الرئيس السوري أي منحى يُستشم منه فقدان الأمل في التعاون مع الحريري، رغم وفرة الخيبات التي باتت تطبع علاقته به بعد سنة تقريباً من الزيارة الأولى للحريري لدمشق، ومصالحته مع الأسد والنظام، في مثل هذا الشهر لسنة خلت. في حواره الأخير لصحيفة "الحياة"، في 26 تشرين الأول، أرسل الرئيس السوري رزمة رسائل إيجابية إلى الحريري كتأكيده له أن أبواب دمشق ليست موصدة في وجهه، ويسعه أن يزورها ساعة يشاء، وأن لا جفاء ولا مشكلة بينهما. وأبرَزَ كذلك الجانب الشخصي في علاقتهما، كي يقول إن الحريري هو الشخص المناسب جداً للمرحلة الصعبة الحالية، مبدياً اعتقاده أن رئيس الحكومة قادر على مساعدة لبنان.
بيد أن هذه الإشارات لم توقف القطيعة الكاملة بين الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبنانية. بل تفصح معلومات عن أن الاتصال الذي أعلن صباح عيد الأضحى في 16 تشرين الثاني، أن الحريري أجراه بالأسد لمعايدته، لم يجر بالفعل مع الرئيس السوري، بل مع دوائر قصر الرئاسة السورية، ولم يدر أي حوار مباشر بين الرجلين.
منذ 3 تشرين الأول، يوم صدور مذكرات التوقيف الغيابية السورية في حق شخصيات بعضها قريب من الحريري أو معاون له، لم يجر أي اتصال مباشر بين الطرفين، ولا بين مدير مكتب رئيس الحكومة ابن عمته نادر الحريري والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري الوزيرة بثينة شعبان، ولا بين رئيس استخبارات المنطقة دمشق وريف دمشق اللواء رستم غزالة ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن المشمول بمذكرات التوقيف الغيابية.
يشير ذلك كله إلى أن القطيعة قائمة بين الأسد والحريري حتى إشعار آخر، أو في أحسن الأحوال، إلى حين إبداء رئيس الحكومة استعداداً لمقاربة جديدة ومختلفة لعلاقته بالرئيس السوري لم يُوحِ بملامحها حتى الآن.
5- إلى الموقف الإيجابي للأسد من الحريري في "الحياة"، تجاري القيادة السورية وجهة نظر رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الرهان على رئيس الحكومة كي يكون الحلّ به ومعه. بعدما أفصح جنبلاط عنها في زيارته الأخيرة لدمشق في 9 تشرين الثاني، حملها مجدّداً موفده إليها الوزير غازي العريضي، قبل ظهر السبت الماضي 27 تشرين الثاني، وقابل معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف في نطاق تأكيد ضرورة التعاون مع الحريري، والإفساح في المجال أمامه ـ بل مساعدته ـ على إخراج الوضع الداخلي من مأزقه تبعاً لمعادلة كان قد طرحها جنبلاط، هي أن الحلّ بالحريري أفضل وأجدى منه بسواه.
6- لأنها تدرك أن الحريري غير قادر، بمفرده، على اتخاذ قرار مدوٍّ من القرار الاتهامي والمحكمة الدولية ما لم يدفعه إليه الملك السعودي، اختارت دمشق حصر التفاوض بالرياض بصفتها المرجعية الملزمة لأي خيار يتخذه رئيس الحكومة. على مرّ سنة من علاقة شخصية وسياسية بالرئيس السوري، لم تشعر دمشق بأن الحريري نفّذ أياً من التعهّدات التي كان قد قطعها ما خلا واحداً يتيماً، هو حديثه إلى صحيفة الشرق الأوسط في 6 أيلول. مع ذلك عدّت إبراءه ذمة سوريا من اغتيال والده قراراً سعودياً طبقه الحريري ليس إلا. شعرت أيضاً باستنجاد الحريري بالرياض، في كل مرة وجد نفسه مربكاً في تنفيذ التزام كان قد قطعه للرئيس السوري الذي ـ وفق ما تقوله دمشق ـ كان قد أبلغ إلى الحريري في آخر لقاء جمعهما في 30 آب، أن كل ما يتداوله معه اتفق عليه سلفاً مع الملك، ويعبّر كذلك عن تفاهمهما على الخطوات التي ينبغي لرئيس الحكومة اتخاذها تباعاً.