واقع المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي يناقض تمنيات إلغائها في بيروت: جزء من منظومة العدالة الدولية التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى

Read this story in English W460

يعكس البرنامج الذي وضع ل "المنتدى الدولي للإعلام" الذي دعت اليه المحكمة الخاصة بلبنان في هايغ على مدى ثلاثة أيام، نظرة الى المحكمة تختلف تماما عما هو قائم في بيروت.

فإذا كانت التعاطي الإعلامي مع ملف المحكمة الخاصة بلبنان يتم في لبنان من منظار قوى 14 آذار التي تتمسك بالمحكمة كجزء من استراتيجيتها السياسية التي تعتمدها للبنان منذ خمس سنوات من دون أن تكون لديها الوسائل الكافية لتأمين شبكة الحماية المحلية للمحكمة من جهة، أو من منظار قوى 8 آذار التي تشن حملة قاسية على المحكمة تتهمها فيها بالتسييس وباستهداف فئة من اللبنانيين لمصلحة مشروع إقليمي ودولي تسعى من خلاله الولايات المتحدة الأميركية الى فرض "شرق أوسط جديد" تسقط فيه جبهة الممانعة لإسرائيل المؤلفة من سوريا وإيران وحلفائهما اللبنانيين (حزب الله) والفلسطينيين (حماس) من جهة مقابلة، فإن القيمين على المحكمة في هايغ بهولندا يرفضون مجرد مناقشة هذه المقاربات، ويعتبرون أن ما يصح إعلاميا في السياسة لا يصح في القضايا القضائية ومن بينها المحكمة الخاصة بلبنان.

وعلى هذا الأساس يبدو برنامج "المنتدى الدولي للإعلام" الذي يتضمن محطات في ثلاثة مقرات: المحكمة الخاصة بلبنان، ومحكمة الجنايات الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، ومحكمة الجزاء الدولية، رسالة في حد ذاته الى اللبنانيين المنقسمين في نظرتهم الى المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

فقوى 14 آذار التي تبدو في موقع ردة الفعل على دينامية حزب الله وحلفائه الرافضين للمحكمة والمطالبين بإسقاطها يجب أن تكون أكثر ثقة بمستقبل المحكمة وعملها فلا تستمر في حالة من التشكيك بنفسها وبالمحكمة وباستمرارها وبالقدرة على الوصول الى نتائج عملية من خلال تطور عملها، وقوى 8 آذار الساعية لتجاوز المحكمة يجب أن تكون أقل طموحا وأكثر تواضعا في سعيها الى اسقاط المحكمة الخاصة بلبنان والغاء مفاعيلها القانونية والجنائية.

فالمحكمة الخاصة بلبنان، على الأقل من الزاوية الشكلية الظاهرة لبرنامج "المنتدى الدولي للإعلام" من خلال محطات اليومين الأولين باتت جزءا من منظومة العدالة الدولية الى جانب محكمة الجنايات الخاصة بيوغوسلافيا، ومحكمة الجزاء الدولية التي تعتبر من وجهة نظر المجتمع الدولي امتدادا لتطور العدالة الدولية الذي بدأ بعد مؤتمر فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى بمحاكمة الخارجين عن القوانين وحقوق الإنسان بمن فيهم رؤساء الدول، ومن ثم في العام 1945 مع المحاكم العسكرية الدولية في نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية، مرورا بمحكمة الجنايات الدولية ليوغوسلافيا السابقة في العام 1993، ومحكمة الجنايات الدولية لراوندا في العام 1994، والمحاكم المختلطة لكوسوفو في العام 1999، ومحكمة تيمور الشرقية واندونيسيا (الغرف الخاصة بالجرائم الخطيرة، والمجموعة الخاصة بالتحقيق في الجرائم الخطيرة ومحطمة تيمور الشرقية واندونيسيا) في العام 2000، والمحكمة الخاصة بسيراليون في العام 2002، ومحكمة الجزاء الدولية في العام 2002، وغرفة جرائم الحرب في محكمة الدولة في البوسنة والهرسك في العام 2005، والغرف الإستثنائية في محاكم كمبوديا في العام 2006.

وكأن القيمين على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أرادوا من خلال الحلقة الأولى الخاصة باليوم الأول تحت عنوان:"تطور العدالة الدولية" أن يوجهوا رسالة الى اللبنانيين على لسان القاضي اوجن كوان، نائب رئيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، مضمونها أن سوابق العدالة الدولية لم تشهد نموذجا واحدا ألغيت فيه محكمة، أو علق عملها، على الرغم من اعتراضات المتضريين محليا ودوليا من أعمال هذه المحاكم وسلطاتها وصلاحياتها والتشكيك بنتائج التحقيقات التي تولتها من قبل المتهمين او المشتبه فيهم.

اما الحلقات القضائية والقانونية التالية التي توغلت في تفاصيل الإجراءات أمام المحاكم الدولية ولا سيما المحكمة الخاصة بلبنان بأقسامها كافة بدءا بالتحقيق من خلال مكتب المدعي العام، وقاضي الإجراءات التمهيدية، وقلم المحكمة بوحداته كافة ومن ابرزها: وحدة الاحتجاز والتوقيف، وحدة حماية الشهود، وحدة مشاركة الضحايا والمتضررين وغيرها، ومكتب الدفاع، وغرف المحكمة، ومرافعات الاستئناف والمراجعة، فشكلت رسالة الى اللبنانيين عبر مسؤولي إعلامهم بأن المحكمة الخاصة بلبنان لا يمكن أن تعمل وفقا للمعطيات السياسية القائمة في لبنان، وإنما وفقا لقانونها وللتفويض الممنوح اليها، وبالتالي فإن المحكمة تستعد لبدء عملها بعدما شارف المدعي العام دانيال بيلمار على الإنتهاء من وضع قراره الإتهامي. بكلام آخر فإن ما تسمعه في هايغ – مقر المحكمة الخاصة بلبنان – من تفاصيل تقنية تتعلق باللمسات الأخيرة على انطلاق مطرقة رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي، يؤكد أن ما في بيروت من سجالات سياسية يختلف عن الواقع على أرض المحكمة... وأن السجالات السياسية في لبنان في واد... والتفاصيل الإجرائية في هايغ في واد آخر!

التعليقات 0